مفهوم المعجزة و انواعها
المعجزات هي أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدي ، سالم عن المعارضة ، وهي إما حسية ، تشـاهد بالبصر أو تسمع ؛ كخروج الناقة من الصخرة ، وانقلاب العصا حية ، وكلام الجمادات ، ونحو ذلك . وإما معنوية تشاهد بالبصيرة ، كمعجزة القرآن . وقد أوتي نبينا صلى الله عليه وسلم من كل ذلك ، فما من معجزة كانت لنبي ، وله صلى الله عليه وسلم أعظم منها في بابها ، فمن المحسوسات : انشقاق القمر ، وحنين الجذع ، ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة ، وكلام الذراع ، وتسبيح الطعام ، وغير ذلك مما تواترت به الأخبار الصحيحة ، ولكنها كغيرها من معجزات الأنبياء التي انقرضت بانقراض أعصارهـم ، ولم يبق إلا ذكرها ، وإنما المعجزة الباقية الخالدة هي هذا القرآن الذي لا تنقضي عجـائبه و ( لا يأتيـه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد ) فصلت : 42
أمثلة عن معجزات الرسل عليهم السلام:
1ـ معجزة ابراهيم عليه السلام:
لما دعا إبراهيم عليه السلام قومه إلى الإيمان والرجوع إلى الله تعالى أبوَا وأصروا على كفرهم وضلالهم وأرادوا به شراً، ولما كسَّر أصنامهم وأعطاهم الحجة المقنعة بأن ما يعبدونه لا يضر ولا ينفع، وسفه أصنامهم المعبودة من دون الله، فلم يكن من قومه إلا أن وقفوا بوجهه وأنذروه بالعذاب فأشعلوا ناراً عظيمة وألقوا فيها إبراهيم عليه السلام ولكن الله سبحانه ناصر لرسله ومؤيدهم، فبدل أن تحرقه النار وتشوهه جعلها الله برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام، فكانت هذه معجزة له عليه السلام.
قال الله تعالى في شأن إبراهيم عليه السلام: {قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم * أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون * قالوا حرِّقوه وأنصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين} [الأنبياء: 66 ء 67].
2ـ معجزة صالح عليه السلام:
لقد بعث الله صالحاً عليه السلام إلى قوم ثمود، وهم من الأقوام العربية البائدة وفتح الله عليهم أبواب النعمة فكانت لهم أنعام كثيرة وجنات وفيرة وعيون غزيرة ومهروا في نحت البيوت في الجبال، ولكنهم عبدوا الأوثان وفسدوا في الأرض فساداً كبيراً.
فأمرهم صالح بدعوة الرسل، وأرشدهم إلى فعل الخير، وترك الفساد في الأرض، فكذبوه وعصوه، ثم طالبوه بآية تكون دليل صدقه في رسالته، فأجرى الله على يده معجزة وهي أن يستدعي صخرة في الجبل، فتخرج منها ناقة لها جميع صفات النوق، فكانت طريقة وجود هذه الناقة من الأمور الخارقة وكذلك استمرت طريقة عيشها على وجه خارق للعادة فكانت المياه مقسومة بين الناقة وقوم ثمود، يوم لها ويوم لهم، فحذرهم صالح عليه السلام من التعرض لها وأنذرهم بالعذاب إذا هم عقروها، ولكن قوم ثمود أصروا على العناد وتكذيب وتآمروا على عقر الناقة فبعثوا أشقاهم فقتلها. فحقت عليهم كلمة العذاب، وطبق الوعيد الذي أنذروا به على لسان رسولهم صالح عليه السلام فاهلكهم الله.
قال الله تعالى في شأن قصة صالح عليه السلام مع قومه: {كذبت ثمود المرسلين * إذ قال أخوهم صالح ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على ربِّ العالمين * أتتركون في ما ههنا أمِنِين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها(1) هضيم(2) * وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين * فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذي يفسرون في الأرض ولا يصلحون * قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأتِ بآية إن كنت من الصادقين * قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم* ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم * فعقروها فأصبحوا نادمين * فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم} [الشعراء: 141ء 159].
3ـ من معجزات موسى عليه الصلاة والسلام:
أرسل الله عز وجل موسى عليه السلام إلى فرعون وبني إسرائيل، وأيده الله بمعجزات منها:
المعجزة الأولى:
انقلاب عصاه حية تسعى، ثم ابتلاعها حبال سحرة فرعون وعصيهم. قال الله تعالى: {وما تلك بيمينك يا موسى * قال هي عصاي أتوكَّؤُا عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى * قال ألقها يا موسى * فألقها فإذا هي حية تسعى} [طه: 17ء20].
وقال تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن ألقِ عصاك فإذا هي تلقف(3) ما يأفكون(4) * فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون} [الأعراف: 117ء118].
وقال تعالى: {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد(5) ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} [طه: 69].
المعجزة الثانية:
إدخال يده في جيبه ثم إخراجها وهي بيضاء من غير سوء.
قال الله تعالى: {وأدخل يدك في جيبك(6) تخرج بيضاء(7) من غير سوء( 8 )} [النمل: 12].
المعجزة الثالثة:
فلق البحر (شَقُّه):
لما لحق فرعون وجنوده بموسى عليه السلام وبني إسرائيل وأصبح بنو إسرائيل على شاطئ البحر، واقترب منهم فرعون وجنوده أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يضرب البحرَ بعصاه، ففعل. فانشق البحر وانحسر يمنة ويسرة فكأن كلَّ شق منه كالجبل العظيم، وسلك بنو إسرائيل في أرض البحر التي انحسر الماء عنها حتى جاوزوا البحر ونجوا، ولحقهم فرعون وجنوده متتبعين خطواتهم، حتى إذا توسطوا البحر ضم الله الماء بعضه إلى بعض فأغرقهم، ولم ينج منهم أحد دخل البحر.
قال الله تعالى: {فأتبعوهم مشرقين(1) * فلما ترآأ الجمعان(2) قال أصحاب موسى إنا لمدركون* قال كلا إن معي ربي سيهدين* فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق(3) فكان كل فرق(4) كالطود(5) العظيم* وأزلفنا(6) ثم الآخرين* وأنجينا موسى ومن معه أجمعين* ثم أغرقنا الآخرين* إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} [الشعراء: 60 ء 67].
4ـ من معجزات عيسى عليه السلام:
المعجزة الأولى: أنه يخلق أي يصور من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فيكون طيراً بإذن الله
المعجزة الثانية: أنه يمسح على الأكمه وهو من ولد أعمى فيبرئه بإذن الله.
المعجزة الثالثة: أنه يمسح على الأبرص فيشفيه بإذن الله.
المعجزة الرابعة: أنه يحي الموتى بإذن الله.
المعجزة الخامسة: أنه ينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
المعجزة السادسة: دعا عيسى عليه السلام ربه أن ينزل مائدة من السماء بعد ما طلب الحواريون منه هذا الأمر ليأكلوا منها ولتطمئن قلوبهم وليتثبتوا من صدقه عليه السلام.
قال الله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرىء الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين وإذا أوحيت إلى الحواريين أن أمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون* إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين* قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا وتكون عليها من الشاهدين* قال عيس ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وأخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين* قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين} [المائدة: 110 ء 115].
5ـ معجزات محمد صلى الله عليه وسلم:
وأما معجزاته صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة جدا وقد رُوي عن الشافعي قوله: "ما أعطى اللهُ نبياً معجزةً إلا وأعطى محمدا مثلها أو أعظم منها".
فقيل له: أُعطي عيسى إحياء الموتى. فقال: أُعطي محمد حنينَ الجذع حتى سمع صوتَه فهذا أكبر من ذلك".
فمن معجزاته صلى الله عليه وسلم وعلى جميع إخوانه الأنبياء حنينَ الجذع وذلك أن النبي كان يستند حين يخطب إلى جذع نخل في المسجد قبل أن يُعمل له المنبر، فلما عُمِلَ له المنبر صعد صلى الله عليه وسلم فبدأ بالخطبة وهو قائم على المنبر فحنّ الجذع حتى سمع حنينَه من في المسجد. فنزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فالتزمه فسكت.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تفجر الماء من بين أصابعه بالمشاهدة في عدة مواطن في مشاهد عظيمة ولم يحصل ذلك لغير نبينا حيث نبع الماء من عظمه وعصبه ولحمه ودمه. والتحقيق أن الماء كان ينبع من نفس اللحم الكائن في الأصابع وبه صرّح النووي في شرح مسلم ويؤيده قولُ جابر رضي الله عنه: فرأيتُ الماءَ يخرج. وفي روايةٍ ينبع من بين أصابعه.
ومن معجزاته تسبيح الطعام في يده وردّ عين قتادة رضي الله عنه بعد انقلاعها.
ومن معجزاته المعجزة الباقية الدائمة القرآنُ الكريم. وقد تحدى النبي فصحاءَ العرب وبلغاءَهم أن يأتوا بآيةٍ من مثله فلم يستطيعوا. ومَنْ بَعدهم أعجز منهم لأنهم أضعفُ منهم من حيث الفصاحة والبلاغة.